غزة/ دعاء الحطاب:
في الوقت الذي يستعد فيه ملايين المسلمين من أنحاء العالم كافة، لتأدية فريضة الحج ورؤية الكعبة المشرفة التي تتزين بأبهي حُلة استعداداَ لضيوف الرحمن، تبقي عيون الألاف من سكان قطاع غزة المحاصر تذرف دمعاً لحرمانهم من موسم الحج للعالم الثاني على التوالي، نظراً لاستمرار حرب الإبادة الإسرائيلية، واحتلال معبر رفح البري الذي يُعد الشريان الوحيد للغزيين نحو العالم.
الحرمان من الحج ليس فقط حرماناً من أداء فريضة دينية، بل يُعد انعكاساً لمعاناة أعمق يعيشها الغزيون تحت وطأة الإبادة والدمار والحصار والتجويع وأزماتٍ إنسانية مُتزايدة منذ أكثر من عام ونصف، حيث يحرمون من أبسط حقوقهم الإنسانية المُتمثلة بـ "الحياة، وحرية التنقل، الأمان، والعيش بكرامة وغيرها الكثير".
علاوة على ذلك، فإن صمت المجتمع الدولي وتجاهله لهذه المعاناة يزيد من وطأة الألم، فالحج هو حق روحي وإنساني، ومنع الناس من أدائه بسبب الحصار والحروب هو أمر يرفضه القانون الدولي والإنسانية.
ووصل الفوج الأول من أهالي محافظة القدس الى الديار الحجازية لأداء فريضة الحج لهذا العام، الثلاثاء الماضي، لكن حجاج غزة الذين ينتظرون أدوارهم منذ العام الماضي، باتوا بين شهيد وجريح وأسير أو محروم مما بات يمثل له "حلماً".
وقال وكيل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية حسام أبو الرب، في حديث صحفي، إن 6600 فلسطيني سيتّجهون إلى السعودية لأداء فريضة الحج، بينهم 1500 غزّي ممن يمكثون حاليا في مصر.
"نلبس الأكفان"
"بينما يتجهز الحجاج لارتداء ملابس الإحرام، يلبس حجاج غزة الأكفان"، بهذه الكلمات بدأت الحاجة ام نبيل حماد (59عاماً) حديثها لـ "الاستقلال"، معربةً عن حزنها وألمها الشديد من حرمانها والاف المواطنين من الالتحاق بقوافل حجاج بيت الله الحرام للعام الثاني على التوالي.
بعيونٍ دامعه، تقول حماد:" منذ عامين أجهز نفسي للحج وأبقي منتظرةً على أحر من الجمر اتصالاً من صاحب مكتب الحج والعمرة يعلمني موعد السفر للبيت الحرام، لكن للأسف حُرمنا من هذه اللحظة بسبب الحرب".
فعندما حالف الحظ "حماد" في قرعة الحج، بدأ العدوان الإسرائيلي على غزة وحرمها ومئات الحجاج من أداء الفريضة عام 2024، وكذلك هذا الموسم، بسبب إغلاق قوات الاحتلال معابر القطاع، ووضعها قيوداً على سفر السكان وعودتهم.
بصوتٍ منكسر، تتابع:" العام الماضي عندما توافد الفلسطينيون إلى مكة بدون حجاج غزة لأول مرة، شعرنا بألم وقهر كبير في قلوبنا، وتأملنا أن تُعوض فرحتنا بهذا الموسم، لكن ما توقعنا أن تستمر الحرب لليوم وأن يبقي الألم نصيبنا"، مُضيفةً:" أجسادنا مُحاصرة لكن قلوبنا وأرواحنا مُعلقة بمكة".
وتتطلع "حماد" الى أن يتجدد الأمل لدى حجاج غزة رغم ويلات حرب الإبادة المستمرة، بالتوصل الى جسر إنساني يسمح لهم بالحرية والتنقل قبل البدء بمراسم الحج، ليكونوا جزءًا من الأمة الإسلامية التي تجمعهم بروحها وقيمها، لا التي تفصلهم بالجدران والألغام.
قهر وظلم
وحال الحاج ابو ياسر الهور (65 عاما)، لم يكن افضل من سابقته، فهو الآخر قد بكت عيناه شوقاً لمكة المكرمة منذ سنوات طويلة، لكنه لم يتمكن من رؤيتها رغم خروج اسمه في قائمة الحجاج للعام الماضي، بسبب القيود الإسرائيلية على المعابر.
بحسرة يقول الهور خلال حديثة لـ"الاستقلال":" العام الماضي حُرمنا من أداء فريضة الحج التي انتظرناها منذ سنوات، والآن أيضا أرادوا قهرنا وظلمنا بحرماننا من أدائها مرة أخرى".
ويتابع بألم يعتصر قلبه: "أرواحنا عطشى، وقلوبنا مكسورة ولا شيء يجبرها سوى رؤية الكعبة المشرفة، والسجود أمامها سجدة طويلة، تحط أثقال الهموم من على ظهورنا المثقلة، لكن عزاؤنا أن ما نحن فيه من صبر والابتلاء، هو من أعظم العبادات أجرا".
واعتبر الهور حرمانه وأمثاله من أبناء قطاع غزة من أداء فريضة الحج، ظالماً واجحافا كبيرا ، مشيراً إلى أن القطاع بات أكبر سجنٍ على وجه الكرة الارضية والناس بداخله يعذبون ويموتون ويقتلون حرماناً وقهراً.
وأضاف: " تعبنا نفسياً ونحن ننتظر انتهاء الحرب ورفع الحصار الإسرائيلي، فهما أساس مشاكلنا وعذابنا وحرماننا من كل حقوقنا".
ويلوم حكام الأمتين العربية والإسلامية بقولها: "أنتم غير محتاجين للتضحية بالعيد، أنتم فعلا ضحيتم بنا" وفق تعبيره.
التعليقات : 0