رأي الاستقلال (2905)

أمريكا وهي تقود قطار التطبيع المتهالك

أمريكا وهي تقود قطار التطبيع المتهالك
رأي الاستقلال

بقلم / رئيس التحرير أ. خالد صادق 

تسعى الإدارة الامريكية دائما الى انتشال «إسرائيل «من مستنقع الخطايا التي ترتكبها والذي تغرق فيه بغبائها, فأمريكا دائما حريصة على «إسرائيل» اكثر من حرص «إسرائيل» على نفسها, لان «إسرائيل» تمثل العصا الغليظة التي تضرب بها الإدارة الامريكية منطقة الشرق الأوسط, وهي تمثل مصالح واطماع امريكا فيها, فبعد الكشف عن اللقاء الذي جمع وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش بنظيرها الصهيوني المجرم، إيلي كوهين، أعلن مسؤولون إسرائيليون، أن مسؤولين أميركيين مرروا رسالة غاضبة لتل أبيب, فقد اعتبروا أن ذلك «قد يكون أنهى جهد سنتين قامت به الولايات المتحدة الامريكية لتقريب ليبيا من اتفاقيات أبراهام، والتطبيع مع «إسرائيل» الامر الذي من شأنه أن يدفع دولاً أخرى للانخراط في تفاهمات تعاون وتطبيع مع «إسرائيل»، كما رأوا التبرير الإسرائيلي بالإعلان عن اللقاء التطبيعي غير مقنع، لافتين إلى أنه «بعد تسرب الخبر كان يمكن للخارجية الإسرائيلية أن تقول للصحافيين: لا تعقيب، بدلاً من أن يخرج وزير الخارجية ويتغنى علناً بلقاء سري بينه وبين المنقوش!». الأمريكيون يشعرون بالقلق من أن الكشف الرسمي من قبل «إسرائيل» عن الاجتماع، والأحداث التي وقعت بعده، ستخلق تأثيرا مخيفا للدول الأخرى للانضمام إلى عمليات التطبيع، ونقل عن مسؤول أمريكي قوله إن الكشف عن اللقاء قضى على قناة التواصل مع ليبيا وجعل جهودنا لتعزيز التطبيع مع الدول الأخرى أكثر صعوبة بكثير», خاصة مع ردة فعل الشارع الليبي على هذا اللقاء المشبوه, أمريكا تقاتل من اجل «إسرائيل» وتضغط بكل قوة على الدول العربية للتوافق معها, وانهاء عزلتها في المنطقة, وتشترط على الدول الحريصة على كسب رضاها, ان ترتبط بعلاقات تطبيعية وثيقة مع الكيان الصهيوني, فرضا أمريكا عن أي زعيم عربي لن يكتمل, الا عندما يقدم الولاء والسمع والطاعة, وينفذ رغبات الإدارة الامريكية تجاه «إسرائيل».

 

أمريكا هي التي تقود قطار التطبيع المتهالك بين العرب و»إسرائيل» وتحاول ان تصل به الى محطته الأخيرة, لكن «إسرائيل» تتعجل حصد النتائج لأنها تمر بأزمات امنية وعسكرية كبيرة, وتبحث عن عوامل ثقة تدفع بها للإسرائيليين الذين يوجهون اللوم الشديد لحكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة, وهذا يعطل ويبطيء من سرعة قطار التطبيع المتهالك, بينما يراهن الفلسطينيون الذين يحاولون تعطيل قطار التطبيع السريع على الشعوب العربية والإسلامية وشعوب المنطقة للتصدي لهذا القطار السريع واعطابه, لذلك هناك حالة تحدٍ شعبي للإدارة الامريكية, فلا يمكن للشعوب ان تستسيغ التعامل مع هذا الكيان الصهيوني او التعايش معه, لان عداءه للامة العربية والإسلامية هو عداء معلن وغير خفي, وهذا الكيان قائم على القتل وسفك الدماء وازهاق الأرواح, ولم يترك مكانا في عالمنا العربي الا ارتكب فيه مجزرة وجريمة دموية, وبالتالي لا يمكن تسويقه على انه كان مسالماً ومقبولا ويمكن التعايش معه, لذلك فان قطار التطبيع الأمريكي لصالح «إسرائيل» سيبقى متهالكاً, وسيصطدم دائما بإرادة عربية شعبية تناهض هذا التطبيع وتسعى لاستئصاله, حتى وان أدى ذلك الى حالة صدام مع الأنظمة التي تحكمها, لان العلاقة بفلسطين اكبر من علاقة الشعوب بحكامها, فسياسة الحكام لا تنسجم مع إرادة الشعوب ولا تتوافق معها, وكل يوم تتسع الفجوة بينهما, وتجارب التطبيع في مصر والأردن والمغرب والامارات والبحرين والسودان وغيرها من الدول اثبتت ان «إسرائيل» تستغل التطبيع في جوانب محددة, كالتعاون الأمني والمشاريع التجارية المختلفة, وتغيير الثقافات والتراث بما يلائم رؤية «إسرائيل», ويعزز من وجودها في المنطقة, أمريكا تقود قطار التطبيع بين «إسرائيل» والدول العربية ولكنها لا تتحكم في مساره, لأنها تصطدم بعقبات كثيرة, فأطماع «إسرائيل» التوسعية ورغباتها الجامحة تحبط كل مساعي الإدارة الامريكية لترسيخ سياسة التطبيع.

 

إسرائيليون برروا الكشف عن لقاء كوهين المنقوش بالقول ان خطوة التطبيع مع ليبيا ليست سهلة, فهناك ثلاث حكومات في ليبيا لا يمكن احداث توافق بينهم على التطبيع مع «إسرائيل» ويقينا ان الشعب الليبي لن يقبل التطبيع, لذلك سربت «إسرائيل» هذا اللقاء لوسائل الاعلام العبرية المختلفة, والهدف دائما تحقيق مكاسب سياسية وتصدير الأزمات الداخلية التي تعصف «بإسرائيل» في ظل تصاعد الاحتجاجات الرافضة للتعديلات القضائية, إذاعة الجيش العبرية قالت أنه «بعد التوتر مع ليبيا، أوعز نتنياهو للوزراء والوزارات الحكومية بالتواصل مع مكتبه حول أي لقاء سياسي سري، وعدم نشر أي تفاصيل إلا بموافقته الشخصية» خاصة بعد الهجوم على حكومته الذي جاء على لسان زعيم المعاضة الصهيونية يائير لابيد، معتبرا أنه تسريب اللقاء غير مسؤول ويؤشر لفشل الحكم. وبحسب قوله، فإن «دول العالم تنظر هذا الصباح إلى التسريب غير المسؤول الذي قام به كوهين، وتسأل نفسها: هل هذه دولة يمكن الوثوق بها؟ هل يمكن أن نقيم معها علاقات خارجية؟. وتابع لابيد: «هذا ما يحدث عندما تعين إيلي كوهين، وهو شخص لا خلفية له في المجال، وزيرا للخارجية», ويبدو ان المعارضة الصهيونية تسعى لتبخيس هذا «الإنجاز» لحكومة نتنياهو من خلال كشف ضعف الشخصيات النافذة في حكومة نتنياهو, وتوريط «إسرائيل» في قضايا خلافية مع دول التطبيع بشكل عام, ومع الإدارة الامريكية بشكل خاص, غير الراضية تماما عن حالة الاندفاع لحكومة الصهيونية الدينية, والخروج بتصريحات تضر بأمريكا التي تسعى للتسويق «لإسرائيل» في المنطقة, وفرضها على الاجندات العربية, وقيادتها للمنطقة العربية برمتها.

 

التعليقات : 0

إضافة تعليق