رأي الاستقلال (العدد 2953)
خالد صادق
لم يشهد العالم مثيلا للعدوان الصهيوني الاجرامي على قطاع غزة, فهي حرب إبادة جماعية إجرامية بحق شعب اعزل عنوانها الكبير هو "الانتقام" من هذا الشعب الفلسطيني الذي حقق انتصار السابع من أكتوبر على الكيان الصهيوني المجرم.
لم يستوعب الإسرائيليون بعد حقيقة الصفعة القوية التي تلقوها من فصائل المقاومة الفلسطينية, وافاقوا على كارثة المت بهم ووضعتهم قيادة وجيش وحكومة في دائرة المساءلة والمحاسبة والتقييم والخلاف الحاد فيما بينهم, ووجه كل طرف أصابع الاتهام الى الاخر, ووسط هذه الاتهامات والخلافات المحتدمة, كانت الة القمع والعدوان العسكرية الصهيونية الاجرامية تعمل بكل شراسة على معاقبة الفلسطينيين جماعيا, وتدفيعهم ثمن عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر الماضي, واتخذت اشكال العدوان وحرب الإبادة الجماعية اشكالا عديدة, فبخلاف الفعل العسكري الاجرامي الذي اودى حتى الان بحياة نحو اثنين وأربعين الف فلسطيني من المدنيين الأبرياء والأطفال والنساء, وفقدان اكثر من عشرة الاف اخرين لم يعرف مصيرهم بعد, لان الاحتلال الصهيوني المجرم والغاصب يتكتم على مصيرهم حتى الان ومنهم من لا زال تحت الانقاض, وقد اصيب نحو مائة الف فلسطيني حتى الان بإصابات مختلفة, واستمرت السياسة الممنهجة بهدم وتدمير البيوت فوق رؤوس ساكنيها, حتى وصلت نسبة هدم البيوت في قطاع غزة الى نحو 70 % من مجموع البيوت المهدمة في القطاع, ودمرت البنية التحتية بالكامل وجرفت المحاصيل الزراعية والأشجار المثمرة والمقار الخدماتية كالبلديات والمحافظات وغيرها, وقد شرع الاحتلال الصهيوني في اطار حرب الإبادة الجماعية التي يشنها على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي الى توسعة وابتكار طرق جديدة للموت والابادة والانتقام من كل ما هو فلسطيني, فكانت دوائر الموت تتسع شيئا فشيئا وتأخذ اشكالا عدة, وبأساليب بربرية وهمجية غير مسبوقة ولا مثيل لها, فكانت سياسة "التهجير القسري" بمطالبة الناس بالنزوح الى ما اسماها الاحتلال "بالمناطق الامنة "والتي كانت دائما وابدا عرضة للقصف والاغتيال والترويع والاستهداف المتكرر من طائرات الاحتلال وصواريخة التي وصلت في وزنها الى الفي رطل, فالقيت على خيام النازحين ومخيماتهم وادت الى اختفائها عن وجه الارض , وكذلك القيت على مدارس الايواء والمستشفيات كما حدث في مشفى المعمداني بمدينة غزة والتي اسفر قصفها عن استشهاد نحو خمس مائة فلسطيني من النازحين اليها في ضربة واحدة واصابة المئات بجراح, واغلق الاحتلال كافة المعابر لمنع اخراج الجرحى والمرضى الفلسطينيين للعلاج في الخارج.
كما كانت سياسة "التجويع الممنهجة" فمنع الاحتلال ادخال المساعدات الغذائية للسكان, ومنع الجمعيات والمؤسسات الدولية من تقديم الغذاء للمواطنين, وتم قصف الشاحنات المحملة بالغذاء, واستهداف مستودعات المساعدات الغذائية, حتى مخازن وكالة الغوث الدولية "الاونروا" لم تسلم من القصف, وتعامل معها الاحتلال على انها أي "الاونروا" منظمة إرهابية كما وصفها رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو.
وكذلك سياسة "التعطيش" بمنع وصول المياه للفلسطينيين في البيوت والمخيمات وأماكن الايواء والمدارس والمستشفيات, وقصف محطات التحلية وابار الماء, ونشر الأمراض والاوبئة بين الناس بتكدس اكوام هائلة من القمامة في الشوارع ومراكز الايواء ومستنقعات مياه الصرف الصحي, ما أدى لانتشار الحشرات والقوارض والزواحف, بين خيام الفلسطينيين النازحين, وفي ازقة وشوارع المخيمات والمدن في القطاع, ومنع الاحتلال ادخال الادوية والمستلزمات الطبية, ومواد النظافة والتعقيم, وقام بتدمير المستشفيات واتلاف الأجهزة الطبية واعدام واعتقال الطواقم الطبية وتعذيبهم ومنعهم من تقديم خدماتهم للفلسطينيين, كما حدث في مشفى الشفاء بغزة ومجمع ناصر الطبي بخانيونس حيث تم اكتشاف مقابر جماعية داخل تلك المستشفيات, وإخفاء جثث واشلاء مئات الفلسطينيين الذين لجؤوا اليها ظنا منهم انها امانة, فكانت مجازر الإعدام الجماعية التي لم يشهد لها العالم مثيلا في العصر الحديث, ووقف العالم صامتا امام تلك الجرائم, لا يحرك ساكنا, ولا يعبأ بمعاناة الفلسطينيين, ويغض الطرف عن جرائم الاحتلال ويتكتم عليها, واستمر الدعم العسكري الغير مقيد واللامحدود من الإدارة الامريكية ودول أوروبية للاحتلال النازي المجرم, لكي يبقى قادرا على ارتكاب المزيد من الجرائم بحق الفلسطينيين المدنيين العزل, فتجلت العدالة الدولية بأبشع صورها, وظهرت عنصرية العالم "المتحضر" ومعايره المختلفة التي فرقت بين أصحاب العيون الزرقاء والاجناس الأخرى, فضربت مصداقية المجتمع الدولي بمؤسساته المختلفة في مقتل, ولم تعد مقنعه لاحد, حتى هم انفسهم فقدوا بوصلتهم, وباتوا يدركون انهم لن يستطيعوا ان يكونوا "محايدين" وان يطبقوا العدالة الدولية على الجميع بنفس المعيار, من هنا كانت الانتكاسة, وبدا المجتمع الدولي بكل مؤسساته وكأنه يعمل فقط لصالح أمريكا و"إسرائيل", ولا تطبق قراراته وقوانينه الا على الضعفاء والمنكوبين وما اسماها بدول العالم الثالث والدول الفقيرة, فسادت شريعة الغاب, وحل قانون البقاء للأقوى, وانتصر الباطل والفوضى والقهر بفعل السياسة الهوجاء للعالم "المتحضر" على الحق والعدل والمساواة الذي كان ينادي به العالم, بعد ان سقط القناع الزائف عن تلك الوجوه الكالحة, لتظهر صورة القبح العالمي التي رسمتها أمريكا و"إسرائيل" طوعا او كرها على وجوه الجميع, لتتبدد وتهتز صورة العدالة الدولية, ويسود قانون الغاب, ويبقى الشعب الفلسطيني رغم مرور عام على حرب الإبادة الجماعية تحت مقصلة الاحتلال, يصرخ ويستغيث دون مجيب, فيما يبقى سلاح المقاومة مشرعا في وجه الاحتلال الصهيوني المجرم, يدافع عن هذا الشعب ويحمي ثورته, ويحفظ حقه في استعادة أراضيه المسلوبة من الاحتلال, هذا الحق الذي اقره المجتمع الدولي بقراراته الأممية والتي تبناها مجلس الامن والأمم المتحدة, لكنه لم يدافع عن تلك القرارات ولم يحميها بعد ان تنصل منها الاحتلال, فكانت المقاومة هي السبيل الوحيد لانتزاع تلك الحقوق وتطبيقها, فما خذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة, وقد تحملت المقاومة وحدها امانة استعادة هذا الحق الفلسطيني الذي اقره العالم بمؤسساته الأممية والدولية, فكان "طوفان الأقصى" بكل ما يحمله من ملاحم وبطولات وعذابات وتضحيات واهوال.
انها الثقة بالله عز وجل ان النصر قادم لا محالة مهما عظمت التضحيات، واستمرت المعاناة، فعام مضى من الصمود والثبات في وجه الإبادة الجماعية والاهوال، لن يقتل حلم الشعب بالنصر والتمكين, "ولنصبرن على ما اذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون".
التعليقات : 0