رأي الاستقلال
مسالك العميان وطبيعة المكان
بقلم/ خالد صادق
كشف المجتمع الدولي المحكوم بالسياسة الأمريكية الجائرة عن عوراته، وأُصيب بحالة تبلُّد ولا مبالاة ليس لها مثيل، وأزاح قناع الزيف والخداع عن وجهه القبيح، وبدا للقاصي والداني أن المجتمع الدولي لا تحكمه قوانين أو أعراف أو مواثيق، إنما هو محكوم بمصالحه الخاصة، وتختلف معاييره حسب الزمان والمكان، فأمريكا التي تعيش زمانها بكل هذا العلو والإفساد تُملي سياستها على الجميع، وتسخِّر القوانين لخدمة رؤيتها ومواقفها، وتنقل توصياتها وتعليماتها للمؤسسات الدولية لتحدد سياستها وفق هذه التعليمات، فمثلاً، المهاجرون الأوكران أصحاب العيون الزرقاء لا يُعامَلون كما يُعامَل المهاجر العربي أو الأفريقي أو حتى الآسيوي، فالقوانين والرؤى تتغير وتتبدل وفق الحاجة، وما حدث ويحدث في غزة والضفة ولبنان وسوريا يُسقِط ذاك القناع الزائف عن الوجوه وتُداس قوانين الحرية والكرامة الإنسانية تحت النعال ويتحول المقتول إلى قاتل، والقاتل إلى ضحية، ويمنح الوقت الكافي لتمرير مخططاته العدوانية دون مساءلة.
ما يحدث في غزة من حرب إبادة جماعية لشعبٍ أعزل منذ أكثر من أربعة عشر شهرًا، وما حدث في لبنان من عدوان سافر ودموي وهمجي يدل على شخصية فاعلِه، وما يحدث في سوريا من عدوان صهيوني سافر على الأراضي السورية واحتلالٍ لأراضيها واستهدافٍ لمطاراتها وقصفٍ لبنيتها العسكرية، كل ذلك يُقابل بصمت دولي مُريب، يدل دلالة قاطعة على تواطؤ دولي ممنهج مع سياسات الاحتلال الصهيوني، وتعمية على جرائمه المرتكبة بحق دول وشعوب المنطقة، ليس هذا فحسب إنما هناك تعاون عسكري واستخباري دولي مع الكيان الصهيوني وشراكة أمريكية مباشرة في العدوان، فـ"إسرائيل" قصفت أكثر من مائتين وخمسين هدفاً في سوريا، وأمريكا قصفت نحو مائة وخمسين هدفاً في سوريا، واحتلت "إسرائيل" أراضي سوريا وتمركزت فيها وأعلن رئيس الوزراء الصهيوني المجرم بنيامين نتنياهو أنه سيبقى في الجولان ولن يغادر الأماكن التي احتلها ولم نجِد كلمة واحدة من المجتمع الدولي تستنكر هذا العدوان أو تحاسب "إسرائيل" على قصفها لمنشآت عسكرية واقتصادية سورية، وكأن هذا متفقٌ عليه مسبقاً وفِعلٌ مشروعٌ للكيان الصهيوني.
هل أصبح العربي مستباحاً إلى هذا الحد، هل بات العربي دمه مهدور بسيف "إسرائيل" وقرار أمريكي ودولي، هل وصلت الاستهانة بنا إلى هذا الحد، ولماذا يتغير كل شيء من حولنا لصالح المشروع الصهيوأمريكي دون أن يحرك أحد ساكناً؟ الإجابة: نعم، كل هذا حدث لأن العربي بات معزولاً يعاني من الفُرقة العربية والانزواء في حظيرة الحكام، لقد سلكنا مسالك العميان، وما عدنا نميّز الخطأ من الصواب، والغثّ من السمين، والصالح من الطالح، من أجل ذلك بدأ الميزان الدولي يختل حسب طبيعة المكان، فدول العالم الثالث لها قانونها الخاص بها، أما الدول الغربية وأمريكا فقوانينها تُحاك بالتفصيل وتتلون وتتبدل حسب الحاجة، دعوكم من فلسطين وقضيتها إنْ كنتم لا تريدون أن تقيسوا بها انحياز العالم لصالح "إسرائيل" وانظروا إلى ما يحدث في سوريا من عدوان صهيوني إجرامي على أراضيها، وهذا العدوان سيكبر ويتمدد ويصل إلى دول عربية أخرى لأن "إسرائيل" حلمها التوراتي أكبر من فلسطين ولبنان وسوريا، فهل ستستفيق هذه الأمة من سباتها العميق، أم ستبقى في غيبوبة ربما تصحو منها بعد فوات الأوان؟!.
التعليقات : 0