بقلم رئيس التحرير/ أ. خالد صادق
قرار السلطة الفلسطينية بضرب المقاومة الفلسطينية في جنين وسحب سلاحها واعتقال أفرادها، ليس قراراً عشوائياً إنما جاء وفق رؤية قدّمتها السلطة للإدارة الأمريكية والاحتلال الصهيوني بقدرتها على ضبط الأُمور وإمساك المقاليد بيدها ومَنْعِ حالة المقاومة ضدّ الاحتلال، وأنها تحتاج إلى فرصة كي تنفِّذ أجندتها بعدما رفضت "إسرائيل" عودة السلطة إلى قطاع غزة وإدارة أوضاع الناس؛ بحجّة أنها أضعف من المقاومة هناك، وأنها لم تستطِع على مدار سنوات ضبط الحالة الأمنية في الضفة وتحديداً في جنين، وأنّ كتائب المقاومة المسلّحة انتشرت بكثافة في مدن الضفة الغربية المحتلة وعجزت السلطة عن مجابهة هذه الحالة وإنهائها؛ وبالتالي لن تستطيع السلطة ضبط الأوضاع الأمنية في قطاع غزة والسيطرة على فصائل المقاومة هناك، وعليه تكون السُلطة قد اختارت الخيار الأصعب والمؤلِم والخاطئ بالمواجهة مع فصائل المقاومة في جنين وتحديداً "كتيبة جنين" هناك؛ لتثبت للإدارة الأمريكية والاحتلال الصهيونيّ أنها جديرة بثقتهما وقادرة على ضبط الأمور هناك والسيطرة على الأوضاع الأمنية في الضفة وغزة.
السلطة الفلسطينية، للأسف، اختارت الخيار الأصعب والمؤلِم لكي تثبت جدارتها، ورفضت كل محاولات التدخّل للحوار والجلوس على طاولة النقاش، وتجرّأت على إراقة الدماء، هذه الحالة الصعبة التي وضعت أجهزة أمن السلطة نفسها فيها خلقت حالة من التمرّد لدى المئات من عناصر أمن السلطة الفلسطينيين الذين رفضوا الدخول في مواجهة مسلّحة مع أبناء شعبهم، كما أن السلطة تُقدِم على هذه الخطوة المشؤومة في الوقت الذي تعلن فيه حكومة الاحتلال أكبر حملة مصادرة أراضٍ في الضفة وبناء مستوطنات، وفي ظل إعلان وزير المالية الصهيوني بتسلئيل سموتريتش عن أن عام ٢٠٢٥م هو عام ضمّ الضفة الغربية ( يهودا والسامرة) لـ"إسرائيل"، كما أن الخطوة تأتي في ظل حرب إبادة جماعية يخوضها الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة، وعمليات ملاحقة وقتل واعتقال من قِبَل الاحتلال الصهيوني لِمَنْ أسماهم بالمطلوبين الفلسطينيين، والغريب والعجيب أن هجوم أجهزة أمن السلطة على جنين يتزامن مع هجوم مماثل يشنه الاحتلال الصهيوني على نابلس وطولكرم والخليل وقلقيلية وغيرها من مدن الضفة، وهذا يمثّل انتكاسة جديدة للسلطة وخيبة أمل لدى الشعب الفلسطيني لن تستطيع السلطة تبريرها بأيّة حال.
الوعود التي تقدّمها الإدارة الأمريكية ودولٌ عربية للسلطة بتمكينها من العودة إلى إدارة قطاع غزة في حال أنهت المقاومة في الضفة وقضت عليها، هي وعودٌ كاذبة على غِرار وعود "أوسلو" التي تنصّلت منها "إسرائيل" والإدارة الأمريكية والمجتمع الدولي، وإذا ما استمرت السلطة بالمُضيّ في المواجهة العسكرية مع المقاومة الفلسطينية فإنها لن تجنيَ أيّة مكاسب لصالحها؛ لأن "إسرائيل" تعلن بوضوح وصراحة أن رفضها لعودة السلطة لإدارة قطاع غزة ليس مرهوناً بالقضاء على المقاومة في الضفة أو غزة، إنما لأنها لا تريد أن تمنح السلطة أيّ أملٍ بالحديث عن حلّ الدولتين؛ ولأن الامتداد الجغرافي للسلطة الفلسطينية في الضفة وغزة يعطيها الأمل في الوصول لحلّ الدولتين، وهو ما ترفضه "إسرائيل" بشكلٍ مُطلَق وهذا الأمر غير قابل للتفاوض والنقاش، حسب نتنياهو وحكومته.
مجدداً نتمنّى ألّا تقع السلطة في فخ الاحتلال والإدارة الأمريكية وتصبح فريسة سهلة لهما، وأن تنحاز لشعبها وللمقاومة التي تدافع عن السلطة ووجودها من خلال مقاومة الاحتلال وإحباط مخططاته التوسعية في الضفة المحتلة، لا تخدعوا أنفسكم بأن "إسرائيل" تبحث عن السلام معكم أو مع غيركم، إن مَنْ يرتكب كل هذه الجرائم والمجازر ضدّ شعبٍ أعزل ولا تشبعه دماء نحو خمسين ألف شهيد ومائة وعشرين ألف جريح لا يؤمن بالسلام ولا يسعى إليه، استفيقوا قبل فوات الأوان وانحازوا إلى خيار شعبكم ومقاومتكم، فإنه الخيار الوحيد الذي سيوصلكم إلى أهدافكم، جنين قربانٌ بلا آمالٍ تقدّمونه للاحتلال بلا ثمن، لن يتقبله الاحتلال منكم وسيرتد عليكم بالويلات.
التعليقات : 0