الاستقواءُ على الغزِّيِّينَ لا يُجدِي نَفْعاً

الاستقواءُ على الغزِّيِّينَ لا يُجدِي نَفْعاً
رأي الاستقلال

الاستقواءُ على الغزِّيِّينَ لا يُجدِي نَفْعاً

كتب رئيس التحرير/ خالد صادق

التصريحات التي صدرت مؤخراً على لسان ما يُسمّى برئيس هيئة الأركان (هرتسي هليفي) والتي قال فيها: "إن الأيام القادمة ستشهد تصعيداً عسكرياً كبيراً على قطاع غزة حتى ترضخ حماس لشروط إسرائيل في إبرام صفقة تبادل الأسرى المنتظرَة بين الاحتلال الصهيوني والمقاومة"، هذه التصريحات هي امتدادٌ لتصريحات عنترية صدرت عن الرئيس الأمريكي القادم دونالد ترامب، والتي قال فيها: "إن الشرق الأوسط سيتحوَّل إلى جحيم في حال لم تنفِّذْ حماس صفقة تبادل بشروط الاحتلال"، وهي امتدادٌ طبيعيّ لتصريحاتٍ صدرت عن بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الصهيوني، ووزير حربه الأسبق يوآف غالانت  ووزير خارجيته الأسبق ووزير حربه الحالي الصهيوني يسرائيل كاتس، والتي هدّدوا خلالها بإعادة غزة إلى العصر الحجري واصفينَ شعبَها بأنهم مجموعة من (الحيوانات)، ويبدو أن لغة التهديد والوعيد التي تتبنّاها قياداتٌ صهيونية وأمريكية أصبحت نهجاً ملازماً لتصريحاتهم ضدَّ قطاع غزة؛ بغرض التهديد والتخويف؛ لأن القطاع بات يمثِّل حالة إزعاج وقلق وتهديد للاحتلال والإدارة الأمريكية بعدما فشل الإجرام الصهيوأمريكي وحرب الإبادة والتهجير القسري وسياسة التجويع والتعطيش ونشْر الأمراض والأوبئة بين الناس في إخضاع المقاومة والغزيِّينَ، والخضوع لإملاءات وشروط الاحتلال والإدارة الأمريكية.

"إسرائيل" والإدارة الأمريكية لم يُبقوا أيَّ خيارٍ للغزيِّينَ سوى الصمود والتحدّي، فقد ارتكبا كلَّ الجرائم التي لا يتخيّلها عقلٌ ولا يستسيغُها منطق، وأصبح الفلسطيني يعتبر الموتَ خيارًا بعدما صارَ سهلاً ومُعتاداً والشهداء الفلسطينيّون مجرّدَ أرقام، فما بالُكُم بخمسين ألف شهيدٍ فلسطينيٍّ وأكثر من عشرة آلافِ مفقودٍ ومائةٍ وثلاثين ألف مُصاب، من الشهداء سبعون في المائة هم من الأطفال والنساء، وهناك آلاف الأسرى لدى الاحتلال، لقد سادت حالةٌ من الإصرار والتحدّي لدى الغزيّين مع زيادة الخسائر البشرية، وأصبح الموت والشهادة خياراً لدى الناس؛ لأنه لا قيمة لحياةٍ تحت سطوة الاحتلال، ولا يمكن للعيش أن يطيبَ في ظلِّ هذا القتل الممنهج وسفك الدماء وإزهاق الأرواح، فأسهل كلمة تسمعُها اليوم على لسان الغزيِّين (يا مرحب بالشهادة، واللهِ إنها أحسن من هالحياة)، لذلك فإن تهديدات ترامب بالجحيم لغزة وأهلها، وتهديدات وزير الحرب كاتس بالتصعيد العسكريّ على قطاع غزة ليس لها أيُّ وقْعٍ على الغزيِّين سوى السُّخرية من هذه التصريحات، ومثل ما بيقول الغزيِّون: (إذا غِرقَت لحِّقها رِجلَك)، بمعنى أنّ غزة تحوّلت إلى مقبرة للموت، وليس هناك ما يبكون عليه، لقد تخلّى العالَم عن إنسانيته وسادت شريعة الغاب، وتبلّدت المشاعر لدى الشعوب والحكّام، ونفض الغزِّيّون أيديهم تماماً من كلّ محيطهم العربي والإسلامي ومن العالَم بمؤسّساته الحقوقية والإنسانية، وبقوانينه ومواثيقه وأعرافه، فهل تظنّون أن مَنْ وصلَ إلى هذه الحالة يخشى تهديداً أو وعيدًا، إذا كنتُم تعتقدون ذلك فإنكم مُخطئون، فلا خيار أمام الفلسطينيّين والغزيّين سوى الصمود والمواجهة.

لقد بات الغزيّون يتضرّعون إلى الله عزّ وجلّ ليلَ نهار، ويرفعون أكُّفَهم إلى السماء طالبينَ النصرَ من الله جلَّ وعَلا، بعدما تُرِكوا وحدهم يواجهون مصيرهم، وأيقنوا أنه لا ملجأ من الله إلّا إليه، وأنّ مَنْ يتوكّل على الله يجعل له مخرَجاً ويرزقه من حيثُ لا يحتسب، أيقن الغزيّون أن حسابات الدنيا خاسرة وأن الاعتماد على أمريكا أو الغرب أو غيرهما رهانٌ خاسر، وأن هذه الحرب بدأت بقدرٍ من الله وستنتهي بقدرٍ من الله، وأن الله أكبرُ من أمريكا و"إسرائيل" والغرب والعالَم أجمع؛ لذلك لا تُهدِّدوا بالويلات لغزة وأهلها لأنها لن تُخيف الغزيِّين ولن تُجدي نفعًا، لقد فَقدَ الفلسطينيّ الثقة بكلِّ مَنْ حوله وبالمجتمع الدولي ومؤسساته وقوانينه، نعم.. الموت يلفُّنا من كلّ جانب ويصاحبنا في كلّ مكان، وقد ألِفناهُ وتعايشنا معه، وأصبح رفيقنا في كلّ درب، فأهلاً بالموت إنْ كان سيَهبُ لنا الحياة.

التعليقات : 0

إضافة تعليق