بقلم رئيس التحرير/ أ. خالد صادق
منَ الصعب القضاء على المقاومة، لا يمكن أن نفعل أكثر ممّا فعلناه في غزة، هذا كلام لأحد ضباط الاحتلال مخاطِباً قيادته السياسية، لم يبقَ شيءٌ لم يفعلْهُ الاحتلال الصهيوني في قطاع غزة، لقد تجاوز كلَّ الحدود والقيود والخطوط الحمراء، وفعلَ ما فعلَ من مجازرَ مروِّعة في قطاع غزة، ووقف العالم صامتاً ومتآمِراً وعاجزاً عن محاسبة الاحتلال على حربه الإباديّة ضدّ شعبٍ أعزل، هذا الذي حدث ويحدث وسيحدث لم يُنهِ المقاومة ولم يقضِ عليها ولم يُوصِلِ الاحتلالَ الصهيوني لتحقيق أهدافه، فالمقاومة ليست مجرّدَ أشخاصٍ يقاومون الاحتلال، إنما هي فكرة والفكرة لا تموت، ربما يموت مَنْ يقومون عليها لكنّ الفكرة تبقى حاضرة طالما تقوم على قواعدَ متينةٍ وأخلاقيةٍ وراسخة، الإسلام بقي حاضراً وقائماً وراسخاً لأكثرَ من ألفٍ وأربعمائة عام رغم ما تعرّض له العالم الإسلاميّ من أزمات وحروب ونوائب، وسقطت الخلافة الإسلامية عام ١٩٢٤م وجاء التتار بدمارهم وتخريبهم وأهوالهم وكذلك الصليبيّين، واحتلوا العالم الإسلامي ورحل ملايين المسلمين، ولكن بقي الإسلام بقيَمِه الحضارية قائماً، وانبعث المسلمون من جديد، فالفكرة لا تموت حتى وإنْ مات مَنْ يقفون عليها، يقول الشهيد سيّد قطب رحمه الله: "إنّ كلماتنا ستبقى عرائسَ منَ الشمع، فإذا مِتنَا في سبيلها دبَّت فيها الروح"، وهذا هو مفهوم الفكرة، فإنها تحتاج إلى تضحياتٍ جسيمة حتى تصل إلى أهدافها وتنتشر بين الناس وتعمّر في الأرض.
واهمٌ هذا الاحتلال إنْ كان يعتقد أن حرب الإبادة التي يقودها ستُنهِي فكرة المقاومة لدى الشعب الفلسطيني، حتى وإن استمرّ في القتل والإبادة لسنوات، الثورات تنتصر بدماء الثوار، والشعوب تنهض بالتضحيات، والنصر يأتي بالعطاء والبذل والفداء، وإنْ كان الاحتلال الصهيوني يراهن على إطالة أمد الحرب وزيادة الضغط العسكري على الفلسطينيين، وإراقة المزيد من الدماء لتحقيق أهدافه، فإنه سيصل عاجلاً أو آجلاً للحقيقة الساطعة الواضحة وضوح الشمس بأن المقاومة لا تموت ولن تموت، وبأن الشعب الذي يضحّي وينشُد حريته واستقلاله لا يعبأ كثيراً بحجم التضحيات، ولا بأعداد الشهداء، فهو اختار طريقه ويعلم أن ثمن الحرية باهظ، وهو مستعد لدفع هذا الثمن لأجل استقلاله، تماماً كما فعل الشعب الجزائري والليبي واللبناني والفيتنامي والجنوب أفريقي وكل الشعوب التي قاتلت لأجل حريتها، إنه طريق النصر والتحرير المليء بالدماء والتضحيات، فإن كان الاحتلال لا يستفيد من تجاربه، ولا يقرأ التاريخ، فإنه سيبقى يدور في دائرة أوهامه دون تحقيق أيٍّ من أهدافه، ولن يستطيع القضاء على المقاومة بشكلٍ نهائي، فقد تضعُف المقاومة أحياناً، وقد تغيب لفترات لكنها لا تموت ولن تموت، والعدوّ الصهيوني يدرك ذلك جيّداً، لكنه ينتقم لنفسه ممّا حدث من فِعلٍ معجَز في السابع من أكتوبر، ويريد إرضاء نفسه بقتل أكبر عدد من الفلسطينيين؛ حتى يقنع نفسه والإسرائيليين ولو بالخداع بأنه سيأمَن من تكرار هذا الأمر مجدّداً.
لا زالت الحكومة الصهيونية تكابر وتضع شروطاً صعبة للتوقيع على تهدئة، وتضغط على المقاومة بالتهديد والوعيد أحياناً، وبالترغيب والترهيب أحياناً أخرى، وبالضغط على الوسطاء كثيراً في سبيل الوصول إلى تهدئة بشروطها، ولكن المقاومة تبقى صلبة في مواقفها، تتجاوز كلَّ الضغوط والتهديدات، صحيح أنها تدفع ثمناً باهظاً من خلال استهدافها وقتل قادتها وكوادرها واستنزاف دماء شعبها، لكنها توافقت فيما بينها على خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها أو التساهُل فيها كوقف العدوان الصهيوني على غزة تماماً، وعودة سكّان غزة والشمال إلى بيوتهم، والانسحاب الكامل للجيش الصهيوني من قطاع غزة، تلك الأهداف التي استُشهِدَ من أجلها آلافُ الفلسطينيين، فالمقاومة الفلسطينية ستبقى دائماً أقوى من الجبال، وأمتن من الرمال ولن ترضخ للاحتلال، ولن تنصاع لأوامره؛ لأن لديها ثوابت لن تتخلى عنها، وقد قدّمت تنازلات كثيرة خلال جولات المفاوضات، لكنها لا تستطيع أن تتخطّى الخطوط الحمراء التي حدّدتها لنفسها مهما كلفها ذلك من ثمن.
التعليقات : 0