قاتِلوهُم يُعذِّبْهُم اللهُ بأيديكُم

قاتِلوهُم يُعذِّبْهُم اللهُ بأيديكُم
رأي الاستقلال

بقلم رئيس التحرير/ خالد صادق

حرب الإبادة الجماعية التي يخوضها الاحتلال الصهيوني ضدّ قطاع غزة والتي دخلت شهرها الخامس عشر على التوالي، ما زالت تشهد صموداً أسطورياً كبيراً من الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة، فرَغم بشاعة القتل وشلّال الدم النازف، ورَغم سياسة التجويع والحصار الخانق المفروض على قطاع غزة، والذي يشتدّ يوماً بعد يوم، إلّا أن حالة الصمود والمجابهة تكبُر وتزداد وتتمدّد، فالتجويع والحرمان المفروض على الفلسطينيين في قطاع غزة، والذي وصل لذروته شمالي القطاع، لم يؤدِّ إلى ما تنشُدُه "إسرائيل" من وراء هذه السياسة الممنهجة، ولم يوصِلِ الاحتلالَ إلى هدف سياسة التجويع المتمثّل بنشر الفوضى والفلتان والسّلْب والنهب وقطع الطرق والسطو المسلَّح والوصول إلى الاقتتال الداخلي (الفلسطيني- الفلسطيني) لا سمحَ الله.
الاحتلال الصهيوني يتحدث أيضاً عبر وسائل الإعلام المختلفة عن عشرة قتلى في صفوف الجيش الصهيوني خلال أسبوعٍ واحد فقط، وهو أمرٌ مُرعِبٌ بالنسبة للإسرائيليين، فهذا الجيش المُحصَّن بكافة التحصينات اللازمة لحمايته وتقليل خسائره، والمجهّز بأعتى أنواع الأسلحة، والمزوَّد بكلّ الإمكانيات اللوجستية والتكنولوجية يتكبّد خسائرَ فادحة في الأرواح، ويتحدث عن قدرات المقاومة الفلسطينية وتحديداً في شمال قطاع غزة، تلك القدرات التي أوصلَت المقاومة إلى العدم حسب اعتقاد الجيش الصهيوني، من خلال تدمير كلِّ شيءٍ في الشمال حتى المستشفيات ومراكز الإيواء والدفاع المدني والإسعاف والطوارئ، وهدم البُنَى التحتية وتحويل شمال القطاع إلى صحراء قاحلة ورمال صفراء بلا مبانٍ أو أشجار أو بشر، ورَغم كلّ ذلك تثبت المقاومة أنها حاضرة وبقوة، ويخرج المقاومون لجنود الاحتلال من كلِّ مكان؛ ليُوقِعوا في صفوفهم عشرات القتلى والمصابين، الأمر الذي أذهلَ العالم وأربك الاحتلال وجعله يتساءل: "من أين يأتي هؤلاء؟".
الإعلام العبري هاجم بشدّة حكومة نتنياهو المجرِمة، ووجّه لها انتقادات لاذعة؛ نظراً لحجم الخسائر التي يتكبدها الجيش الصهيوني في قطاع غزة، خسائر متعدّدة ومتنوعة، بشرية ولوجستية وخسائر عسكرية بخِلاف الخسائر الاقتصادية الكبيرة وغير المسبوقة، وقد أقرّ الجيش الصهيوني بحجم الخسائر، وحمّل المسؤولية للمستوى السياسي الذي لم يستطِع حتى الآن استثمارَ ما أسماها بالانتصارات التكتيكية التي حقّقها الجيش الصهيوني في قطاع غزة على مدار أيام الحرب السابقة، وظهر الخلاف والتراشُق الإعلامي وتبادُل الاتهامات بين المستوى السياسي والعسكري الإسرائيلي، وأعلن الجيش الصهيوني أنه وضع خطة للانسحاب من المناطق التي احتلها في قطاع غزة، في حال قرّرت الحكومة الصهيونية خطة بالانسحاب من القطاع، وهنا يبرُز حجم المأزق الذي يعيشه الجيش الصهيوني في قطاع غزة، ومدى الورطة التي وضع نفسه فيها، صحيح أن قطاع غزة يدفع ثمناً باهظاً من خلال حرب الإبادة الجماعية التي يخوضها الاحتلال بطريقة لا أخلاقية ضدّ الشعب الفلسطيني، لكن هذا لم يمنعْهُ ولن يمنعهم من مجابهة الاحتلال ومقارعته حتى وقف العدوان، حسب تصريحات المقاومة.
أمام هذه الحقائق تصاعدت في الآونة الأخيرة لهجة التصريحات (الصهيوأمريكية) عن إمكانية اللجوء إلى "حرب التجويع" بشكل أكبر وأكثر شراسة، فالرئيس الأمريكي القادم إلى رئاسة البيت الأبيض دونالد ترامب قال مُهدِّداً ومُتوعِّداً الفلسطينيين، إنه لن يسمح بإدخال أيّة شاحنة مساعدات غذائية لقطاع غزة إلّا بالإفراج عن أسرى الاحتلال لدى المقاومة، ورئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو قال: إنه لا يستطيع الاستمرار في هذه الحرب عسكرياً فقط دون الاعتماد على "سياسة التجويع" ضدّ الفلسطينيين، بمعنى لجوء ترامب ونتنياهو إلى استخدام سياسة "العقاب الجماعي" ضدّ شعب أعزل وضدّ مدنيّين أبرياء، إنها معايير الطُغاةِ الباغِينَ المتجبِّرين في الأرض، فهل هذه المعايير يمكن أن تقهر الفلسطينيين وتدفعهم للاستسلام؟، الإجابة التي لا شكّ فيها: لا، ترامب ونتنياهو وكلّ مَنْ يُساند الاحتلال سيصل حتماً إلى هذه الحقيقة عاجلاً أو آجلاً، صحيح أن الشعب الفلسطيني يمكن أن يدفع أثماناً باهظة وكبيرة من موتنا وتجويعنا وحصارنا ومن تفاصيل حياتنا اليومية، لكن هذا طريق الأحرار الذي لن يحيد عنه شعبنا بأيِّ حالٍ من الأحوال مهما بلغ حجم التضحيات.

التعليقات : 0

إضافة تعليق