من غزّةَ إلى جِنين.. وَجَعٌ وأنِين

من غزّةَ إلى جِنين.. وَجَعٌ وأنِين
رأي الاستقلال

بقلم رئيس التحرير/ خالد صادق
ما كادت أجهزة أمن السُلطة تتراجع في جنين، حتى استكمل الاحتلال الصهيوني مسلسل الوجع والأنين، وتواصلت حقبة القتل وسفك الدماء والانتقام من كلّ ما هو فلسطيني، حتى كتابة هذه السطور هناك عشرة شهداء وأكثر من ستين إصابة بجراح متفاوتة جرّاء العدوان الصهيوني المتواصل على جنين ومخيمها، مسلسل القتل في جنين لا يكاد يتوقف، فهو ينتقل من حالة إلى حالة، ومن يدٍ إلى يد، تارة بيَدِ أجهزة أمن السُلطة، وتارةً أخرى بيَدِ الجيش الصهيوني، وتارةً بيَدِ قُطعان المستوطنين الصهاينة، كما أنّ أدوات القتل تتعدّد وتتنوّع، أسلحة السُلطة، ووحدات المستعربين الصهاينة المتسلِّلين إلى مخيم جنين، وقذائف الدبابات، والصواريخ التي تُطلقها طائرات حربية وطائرات استطلاع و"كواد كابتر"، جنين ذاك الوجع الممتد من غزة إلى رام الله تبقى هي الحاملة للواء المقاومة في الضفة، وهي عنوان العملية الكبيرة لتهويد الضفة، فسقوط قلعة جنين -لا سمحَ الله- يعني بداية تهاوي القِلاع وسقوطها، لذلك دعت فصائل المقاومة الفلسطينية إلى إعلان النفير العام في الضفة، ومواجهة مخطّط الاحتلال بالاستفراد بجنين كبداية للاستفراد بمُدُن الضفة الواحدة تلو الأخرى، إنه مخطّط متكامل يطمح الاحتلال الصهيوني في تمريرة مُتحصّناً بتأيّيد أمريكي مطلق لتحقيق هذا الأمر، فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب قال إنّ "إسرائيل" دولة صغيرة ويجب توسعة حدودها، وبداية التوسُّع من الضفة.
لم نشُكْ للحظة أنّ مخطّط الاحتلال وأطماعه في الضفة المحتلة ستتوقف، كُنّا على يقين أنّ العملية العسكرية في الضفة مسألة وقت، وأنّ "إسرائيل" تحاول الاستفراد بالساحات الواحدة تلو الأخرى، ولا تريد خوْضَ حروبٍ على عدّة جبهات دفعة واحدة، كان يقيننا أنّ العدوان على الضفة سيتبَع وقف العدوان على غزة، وأنّ مخطّط وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بجَعل عام ٢٠٢٥م عامَ ضمّ الضفة إلى "إسرائيل"، وأنّ وجود سموتريتش في حكومة بنيامين نتنياهو المتطرّفة يعني بأنه تحصَّلَ على وعود بتمكينه من ضمّ الضفة إلى "إسرائيل"، وأنّ هذا المخطَّط ليس ببعيد، خاصّة أنّ هناك إخفاقاً للجيش الصهيوني في قطاع غزة، وأنّ هذا الإخفاق عرّضَ حكومة نتنياهو للمساءلة والإحراج؛ لذلك أرادت الحكومة الصهيونية تحقيقَ إنجازٍ على الصعيد الفلسطيني في الضفة؛ كي تُبيِّض صفحتها أمام الإسرائيليين الذي بدأوا يفقدون الثقة في حكومتهم وجيشهم، والواجب الوطني يُحتِّم على المقاومة في الضفة التوحُّد والمجابهة ومواجهة مخطَّط الاحتلال المتصاعد وأطماعه الكبيرة في الضفة المحتلة، ولا نريد تكرار ترديد عبارة "أُكِلْتُ يومَ أُكِلَ الثورُ الأبيض"، الاحتلال الصهيوني لن يتوقف عن تحقيق أطماعه في الضفة إلّا إذا اشتدت المواجهة معه عسكريّاً، واندلعت انتفاضة عارمة في وجهه، والسُلطة بأجهزتها الأمنية مُطالَبَة بالدفاع عن نفسها وعن شعبها، وإلّا فإنها ستفقد وجودها في الضفة؛ لأنّ الاحتلال لن يسمح بوجودها هناك.
جنين البداية وليست النهاية، والمقاومة في جنين تدرك ذلك جيّداً، وهي تواجه ببسالة وقوة مخطّط الاحتلال، وتحاول إحباطَ أهدافه، فرَغمَ أنّ المقاومة في جنين تتعرّض لهجمات دائمة ومستمرة من جهاتٍ عدّة، لكنها ما زالت قادرة على الصمود والمواجهة، والدفاع عن النفس، تلك المقاومة التي واجهت هجمةً عسكريةً مُسلَّحةً من أجهزة أمن السُلطة، وحصاراً وتجويعاً وتعطيشاً وحِرماناً لأكثرَ من شهر، تبعها هجوم عسكري غاشم من الجيش الصهيوني، دون حتى استراحة محارب، فجنين الحبل المتواصل مع غزة، وقوة مقاومتها نابعة من قوة المقاومة في قطاع غزة، وكتائبها المظفّرة قادرة على مفاجأة الاحتلال وتكبيده خسائر فادحة، لكن الحلقة يجب أن تكتمل بتعاضُدٍ شعبيّ مقاوِم وبتعاون مع السُلطة، فهل نشهد مرحلة جديدة من المواجهة مع الاحتلال في الضفة، أم ستبقى "إسرائيل" تستفرد بالساحات الواحدة تلو الأخرى.

التعليقات : 0

إضافة تعليق