كتب رئيس التحرير خالد صادق
لا يضيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقته كثيرا في السياسة ودهاليزها ومكرها وخداعها, فهو لا يعرف السياسة ولا يمارسها, انما يرفع شعار أمريكا أولا وفق منطق القوة وشريعة الغاب, ويهتم بإنعاش الاقتصاد الأمريكي ولو كان ذلك على حساب دول حليفة وصديقه, وهو يذهب بأمريكا بعيدا الى عالم المجهول, ويغامر بكل شيء لأجل تحقيق اماله وتطلعاته الانتخابية, ولا يجر معه في هذا الطريق المجهول الا رفيقه وصديقه المفروض عليه فرضا بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الصهيوني, لعلهما يجدا ضالتهما معا, ويحققا تطلعاتهما الاقتصادية والسياسية من خلال صفقة القرن التي يحلمان بها ليل نهار, فأمريكا تريد شرق أوسط جديد, تسود به العالم اقتصاديا, وتتحكم بسياساته وثقافته وتراثه وحتى عاداته وتقاليده, و"إسرائيل" تسعى لفك عزلتها في المنطقة وتتطلع الى دور ريادي يحقق حلمها "بإسرائيل الكبرى" من خلال التطبيع والتمدد الجغرافي في الضفة ولبنان وسوريا والأردن واطماع أخرى ليس لها حدود, ترامب ينطلق بتصريحاته المنفلته دون ان يراعي ادنى معايير السياسة التي تضبط الخطاب الموجه للعالم, انما يمارس سياسة الحسم بالضربة القاضية, فهو الرجل الذي يهدد ويتوعد ويتحدث عن الجحيم, فمن لم يمتثل لسياسة ترامب مهما كانت مجحفة فلينتظر الجحيم, ولعل توعداته هذه وصلت مؤخرا وليس اخرا للأردن بقطع المعونات عنها ما لم تقبل بفتح أراضيها للفلسطينيين المهجرين من الضفة الى هناك, ونفس الامر ينطبق على مصر التي يجب ان تفتح حدودها لاستقبال الغزيين, ومن قبلهم السعودية التي طالها نتنياهو بلسانه المنفلت وببجاحة منقطعة النظير عندما طالبها بفتح حدودها الشاسعة لاستقبال الفلسطينيين المهجرين, وكأن الفلسطيني الذي صمد فوق ارضه صمودا اسطوريا تعجز عن وصفه الكلمات, ينتظر من ترامب ونتنياهو ان يفسحا له المجال للهجرة الى دولة من الدول التي يحددانها له, وكأن قرار الهجرة اصبح امرا واقعا على الفلسطينيين, لأنه يستجيب لرغبة ترامب ونتنياهو وتطلعاتهما الهوجاء.
ترامب بمنطق الثرثرة والانفلات واللامسؤولية خير الفلسطينيين بين ان يقوموا يتسليم كل الاسرى الصهاينة لدى المقاومة الفلسطينية حتى السبت القادم, او العودة للقتال مرة أخرى في قطاع غزة, والسماح لإسرائيل باستئناف حرب الإبادة التي شنتها على قطاع غزة في أوائل أكتوبر 2023م, وهو يريد ان ينفذ حلم نتنياهو بإرغام المقاومة على الاستسلام ورفع الراية البيضاء, وما لم يستطع نتنياهو تحقيقة بالجرائم والمجازر البشعة بحق المدنيين الفلسطينيين, يريد ترامب ان يحققه له من خلال التهديد والوعيد وتحويل المنطقة الى جحيم, ولا ندري عن أي جحيم يتحدث ترامب, اكثر من ذاك الجحيم الذي عاشته غزة على مدار نحو خمسىة عشر شهرا من المجازر والابادة الجماعية, فالمقاومة أعلنت ان "إسرائيل" لم تلتزم بالاتفاق, ولم تقم بإدخال معدات للدفاع المدني لانتشال الشهداء وفتح الشوارع ورفع الأنقاض, ولم تسمح بإدخال الوقود والمستلزمات الطبية للتجار ليتداولها المواطنين في القطاع, ولم تقم بإدخال الخيام والكرفانات ومواد الاعمار لايواء مئات الاف الفلسطينيين الذين يقطنون في العراء, وهذا كله جاء في البروتوكول الموقع مع فصائل المقاومة الفلسطينية بأشراف ورعاية امريكية قطرية مصرية, وبدلا من ان يحمي ترامب اتفاقا رعته ووقعت عليه أمريكا, حفاظا على هيبتها ومكانتها في العالم, وجدناه يهدد ويتوعد بانه سيعيد الحرب مرة أخرى على غزة ان لم تطلق المقاومة سراح الاسرى الصهاينة حتى السبت القادم, فأي سياسة تلك التي تقودها أمريكا, واي اتفاقات تلك التي ترعاها وكيف يمكن للعالم ان يثق بالإدارة الامريكية التي يقودها دونالد ترامب وفق شريعة الغاب ومنطق البقاء للأقوى.
المتاجرة بدماء الأبرياء والدعوة الامريكية بإطلاق يد "إسرائيل" لتستأنف حرب الإبادة على قطاع غزة, اثار استهجان العالم, الذي بات ينظر للإدارة الامريكية انها تعمل منفردة بقوانين بعيدة كل البعد عن المواثيق والقوانين والأعراف الدولية, وان اللغة السائدة والتي يتبناها دونالد ترامب غير مناسبة, ولا تشجع على الهدوء والسلام, وهذا المنطق له تداعيات خطيرة ليس على فلسطين وحدها ولا على منطقة الشرق الأوسط, انما على العالم كله, كل ما طالبت به المقاومة الفلسطينية هو تنفيذ ما تم التوافق عليه ووقعت عليه "إسرائيل" ورعته الإدارة الامريكية وتعهدت بانفاذه, فأي جرم ارتكبته المقاومة, فبدلا من الضغط على "إسرائيل" لتنفيذ الاتفاق كما تم, نجد الضغط على الضحية, والمطلوب من المقاومة دائما ان تتنازل, لكن المقاومة ورغم شراسة الحرب ودمويتها وانفلاتها إسرائيليا من كل القيود والقوانين, قادرة على التمسك بشروطها لاستئناف التهدئة وفق ما تم التوقيع عليه, حتى لو تحولت الحياة الى جحيم كما يتوعد ترامب, فان الجحيم الذي يعيشه الشعب الفلسطيني اكير واشرس واخطر على القضية الفلسطينية التي تتعرض للتصفية تماما, من خلال مخطط التهجير الصهيوامريكي, والذي يتحدث عنه ترامب وكأنه واقع وحقيقي, ويبتهج له نتنياهو ويحلم به, ان إرادة الفلسطيني وقوته وعزيمته اكبر بكثير من مثل تلك التصريحات الهوجاء لترامب ونتنياهو, وانه قادر على افشال مخطط التهجير لأنه لا زال يحلم بالعودة الى ارضه المغتصبة, واليوم المعركة لن تكون مع الفلسطينيين وحدهم في قطاع غزة, فهي مشتعلة في الضفة, والأردن مهدد, ومصر مهددة بالتهجير القسري للفلسطينيين اليها, والسعودية يمكن ان تستوعب الفلسطينيين وفق تصريحات نتنياهو, والمعركة لها أوجه عدة وتحتاج دائما الى تضافر الجهود لإحباطها.
التعليقات : 0