قُوّةُ إيران.. سَنَدٌ لتركيا والأُمّة

قُوّةُ إيران.. سَنَدٌ لتركيا والأُمّة
أقلام وآراء

قُوّةُ إيران.. سَنَدٌ لتركيا والأُمّة

بقلم/ فايز أبو شمالة

يُجافي الحقائق مَنْ يظن أن ضعف إيران العسكري والاقتصادي، وانحسار نفوذها في المنطقة يمثل فرصة تاريخية لتخلُّص أمة العرب من عدوٍّ تاريخيّ من جهة، ولنهوض دولة تركيا من جهة أخرى، وهي تسعى إلى توسيع نفوذها في منطقة الشرق.

وفي الوقت نفسه، لا يُنكر عاقلٌ تعارضَ المصالح والنفوذ بين تركيا وإيران في المنطقة، ولا يُنكر متابعٌ للتاريخ وجودَ ذاك الصراع الجغرافي والتاريخي بين إمبراطوريات الشرق والغرب، وسبق وأن تصادمت الإمبراطورية الفارسية التي كانت تسيطر على شرق الدنيا، بقيادة الإمبراطور الفارسي داريوس، مع إمبراطورية الغرب الإغريقية التي كان يقودها الإسكندر المقدوني.

وعلى مَرّ التاريخ، ظلّ الصراع قائماً بين مناطق النفوذ الممتدة من آسيا الوسطى وأوروبا في الغرب، وبين قوى الشرق التي وصل نفوذها حتى حدود الهند والصين شرقاً، وكانت الغلبة لهذه الإمبراطورية حقبة من الزمن، لتنتقل إلى الإمبراطورية الأخرى حقبة أخرى من الزمن، إلى أن تقاسمت الإمبراطورية الرومانية النفوذ مع الإمبراطورية الفارسية في بلاد العرب، فصارت بلاد العراق، بقيادة المناذرة تدور في فلك الإمبراطورية الفارسية، وصار أهل الشام بقيادة الغساسنة يدورون في فلك الإمبراطورية الرومانية، إلى أن ظهر الإسلام، فتبدّلت أشكال الصراع بين الإمبراطوريات، حين دخلت كلتا الإمبراطوريتين الفارسية والرومانية إلى رحاب الإسلام، واندمجت الثقافات، وتبدّلت الأهداف والأولويات، وصار التنافس القوميّ بين الشعوب يأخذ منطلقات جديدة، تُغاير ما كان سائداً قبل صعود الدولة الإسلامية.

 ومع ذلك، لم ينقطعِ التنافسُ على المصالح بين الشعوب والقوميات، ولن ينقطع هذا التنافس طالما ظلّ في الإنسان نفسٌ على هذه الأرض، وهذا ما تجسّده الصراعات والتحالفات القائمة في العصر الحديث، حيث تسعى كلّ دولة إلى تحقيق مصالحها الاستراتيجية، والتي قد تصطدم وتتعارض مع مصالح الدولة الأخرى، ولكن ما يميّز المرحلة الراهنة من التاريخ هو صعود الإمبراطورية الأمريكية الكبرى بنفوذها الصاعق، والتي تتعارض مصالحها ومصالح حلفائها مع إمبراطوريات الزمن القديم؛ لذلك لا تهدأ الإمبراطورية الأمريكية الغربية، ولا تَكِنّ، إلّا إذا فجّرت الصراع بين شعوب المنطقة، واستدعت من الماضي حالاتِ التنافس والصراع بين الشعوب، وبالشكل الذي يسمح للإمبراطورية الأمريكية بإطالة زمن الهيمنة، والاستفراد بمقدّرات الشرق بلا منازع خارجيّ، ودون السماح لقوة شرق أوسطية موحّدة، قد تشكّل منافساً جدياً للنفوذ الأمريكي.

ما سبق من حديث يهدف إلى إيقاظ الذاكرة على مصالح شعوب المنطقة، والتي تتعارض مع المصالح الأمريكية؛ لتصب في مصلحة "إسرائيل" الحليف الاستراتيجي لأمريكا، وهي تسعى جاهدة إلى تدمير مقدّرات الشعب الإيراني، وإضعاف إيران كدولة لها وزنها الاستراتيجي في المنطقة، من خلال تدمير قدراتها النووية، هذا التدمير الذي لن يصبَّ في صالح تركيا كدولة، ولن يخدم مصالح العرب، طالما كانت هناك إمبراطورية استعمارية إمبريالية كبرى، تهيمن مع "إسرائيل" على المنطقة، ويهمها مواصلة سيطرتها على المنطقة، وامتصاص خيراتها، ومن هذا المنطلق، فإن احتفاظ إيران بقوتها، وبقدراتها الاستراتيجية؛ يعتبر قوة لدولة تركيا وتعزيزاً لمكانتها ضمن التحالفات القائمة، بما في ذلك تحالف الناتو، فقوة إيران تجعل من تركيا لاعباً استراتيجياً في المنطقة، تلهث أمريكا لمرضاتها، وقوة إيران درعٌ واقٍ لتركيا من المؤامرات، فبكل تأكيد، أيّة هزيمة مرحلية لإيران، هي هزيمة استراتيجية لتركيا، الدولة الإسلامية المُدرَجَة على قائمة التشظّي، ولا سيما أن تركيا لم تَنجُ حتى اليوم من مضايقة الغرب لها، وتكفي الإشارة هنا إلى رفض الاتحاد الأوروبي انضمام تركيا إليه، رغم استجابة تركيا لكل مطالبهم، وتجدر الإشارة هنا إلى أن الدعم الأمريكي لحزب العمال الكردستاني بمثابة سيف أمريكا التحذيريّ في وجه تركيا، وهذا ما تؤكّده الدعوة الإسرائيلية لحماية الأقليات في سوريا، وما لهذه الدعوة من ارتدادات سلبية على الشعب التركي.

وإذا كان تدمير مقدّرات الشعب الإيراني هي الهدف الأول لحرب السيطرة الإسرائيلية على الشرق الأوسط الجديد، فإن تدمير تركيا هي الهدف التالي، ولا أظن الشعب التركي، أو القيادة التركية في جهلٍ عن هذه الحقائق، التي حذّر منها الرئيس التركي أردوغان، وأعلن عنها صراحة الكثير من جنرالات الجيش الإسرائيلي، بمَن فيهم الجنرال (يائير داجان) الذي عقّب على سقوط نظام الأسد، قائلاً: "تخلّصنا من عدوٍّ مسلمٍ شيعيّ متطرّف، كان يسيطر على سوريا، فجاءنا عدوٌ مسلمٌ سُنّي أكثر منه تطرّفاً".

سلامة إمبراطورية إيران من سلامة إمبراطورية تركيا، ومستقبل تركيا في المنطقة مرهون بقوة إيران كإمبراطورية، تحُول دون تمدُّد خطر الإمبراطورية الإسرائيلية، التي ستمتد حدودها التوراتية من تركيا وحتى إيران، بعد أن تضم كلَّ بلاد المشرق العربي، وهذا مخطَّط إسرائيلي إمبريالي توسُّعي، تتحدث عنه القيادات الإسرائيلية علانية وبلا مواربة، وتعلن عنه صباحَ مساء، ولم يكُن تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو عن شرقِ أوسطٍ جديد بعيداً عن تمدُّد نفوذ الإمبراطورية اليهودية، والذي لن يتحقق إلّا بعد تدمير وسحق

كثير من الدول القائمة حالياً، أو التخلُّص المبكّر من الإمبراطوريات المنافسة للإمبراطورية اليهودية الواعدة، ولن يتحقق ذلك إلّا من خلال التحالف مع إحداهن ضدّ الأخرى، وضرب إحداهن بالأخرى.

قوة إيران قوة للمنطقة العربية، وقوة لتركيا أيضاً، وضمان لسلامتها من المؤامرة الصهيونية، وتجريد إيران من قدراتها العسكرية والنووية لن يصبَّ لا في صالح تركيا الإسلامية، ولا في صالح الشعوب العربية، وهذا ما يجب التنبُّه إليه والحذر منه، والتصرُّف بحكمة السّاسة العارفين بمفاصل التاريخ، والمدركين لخطورة المتغيرات الجغرافية والأطماع الصهيونية.

التعليقات : 0

إضافة تعليق